نظرة على وباء الانقلابات الذي ضرب دول غرب إفريقيا
نظرة على وباء الانقلابات الذي ضرب دول غرب إفريقيا
كتب: باسم ثروت
خلال العامين الماضيين شهدت دول غرب إفريقيا عدة انقلابات بمعدل متسارع وغريب، فمنهم دولة واحدة حدث فيها انقلابان في خلال 9 أشهر والغريب أن من قاد الانقلابين هو نفس الشخص، ويعتقد أن القارة الإفريقية قد حققت رقماً قياسياً عالمياً في عدد الانقلابات بأكثر من 200 انقلاب منذ استقلال دولها في مطلع ستينيات القرن الماضي.
فمنذ الاستقلال كانت الانقلابات حاضرة بقوة في الحياة السياسية الإفريقية منذ ستينيات القرن الماضي التي شهدت نشوء الدول المستقلة في القارة السمراء، فبين عامي 1970 و1989 كانت هناك 99 محاولة انقلاب ناجحة أو فاشلة في جميع أنحاء القارة، في حين وصل عدد الانقلابات الناجحة بين عامي 1956 و2001 إلى 80 انقلابًا.
في نفس الإطار خلال العامين الماضيين شهدت القارة الإفريقية ما يزيد على 10 محاولات انقلابية بين ناجحة وفاشلة، الأمر الذي سبب كوارث سياسية واقتصادية وإنسانية على جميع الأصعدة.
كانت بوركينا فاسو آخر من أصابتها حمى الانقلاب سبقها كل من مالي التي وقع بها انقلابان في 9 أشهر وغينيا وتشاد.
هنا يظهر سؤال طارحاً نفسه، هل من عوامل مشتركة تجمع هذه الدول؟
الإجابة بالقطع نعم هناك عدة عوامل تشترك فيها هذه الدول ومنها:
- الضعف والفشل السياسي:
إن عودة العسكريين إلى المشهد السياسي في دول الانقلاب يشير بالتأكيد إلى الفشل السياسي للحكومات التي يفترض أنها حكومات منتخبة في هذه الدول، أدى هذا الفشل إلى مجموعة من الأزمات السياسية التي كشفت صعوبة الانتقال السياسي وهشاشة التقدم الديمقراطي الذي أُحرز في العقدين الماضيين.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، سبق الانقلاب الأول في مالي، 18 أغسطس 2020، احتجاجات شعبية متصاعدة لأكثر من شهرين على حكم الرئيس أبوبكر كيتا، وبعد أن قضى الرئيس عمر ألفا كوندي فترتين رئاسيتين في غينيا حوال الضغط لتعديل الدستور لتمرير التمديد لفترة ثالثة عبر استفتاء قام خلاله بقمع خصومه بقسوة، تم اعتقال وسجن أكثر من 400 شخص في أعقاب الانتخابات الرئاسية، وتوفي العديد منهم في الحجز، الأمر الذي يمثل فشلا سياسيا ويتيح للعسكرين الفرصة للعودة للمشهد مرة أخرى.
وكما ذكرنا في الفقرة السابقة عن مدى هشاشة نظم هذه الدول، وخير مؤشر يقيس هشاشة الدول وضعفها هو ذلك المؤشر الذي يصدره سنوياً صندوق السلام ومجلة فورين بوليسي الأمريكيان، حيث يعدان من أهم المراجع حول تصنيف الدول الهشة، بالاعتماد على مؤشرات سياسية منها حقوق الإنسان وسيادة الدولة، واقتصادية كالتدهور الاقتصادي والفقر، واجتماعية كالضغوط الديمغرافية.
فإذا نظرنا إلى المؤشرين على مدى الخمسة أعوام الماضية نجد أن الدول الإفريقية التي شهدت انقلابات مؤخراً تندرج جميعها تحت خطر الهشاشة بتدرجاته المختلفة، وبينما تستقر تشاد ضمن الدول الأكثر عرضة للهشاشة، كما يظهر ميل المؤشر في البقية نحو التراجع التدريجي في المجمل وإن شهدت تقدماً ضئيلاً في بعض السنوات.
- عدم الاستقرار الأمني وانتشار الجماعات الإرهابية والمسلحة
شكلت منطقة الساحل مؤخراً إحدى أبرز الدول التي تشهد عدم استقرار أمني مستمر نتيجة عدة عوامل، وأبرزها: جماعات الجريمة المنظمة والتنظيمات الإرهابية المختلفة، التي زادت خطورتها نتيجة التعاون والتنسيق والتحالف الموجود بينهما في ظل فشل الدول وهشاشتها، وهو ما جعلها بيئة ملائمة لسيطرة وتنامي هذه التهديدات، حيث شهد العام الماضي وحده أكثر من 800 هجمة دموية وفق تقرير أممي، بالإضافة إلى سيطرة المجموعات الإرهابية المختلفة على مساحات كبيرة داخل تلك الدول خصوصاً مالي التي سيطرت الجماعات الإرهابية على مناطق واسعة في الشمال.
- التدهور الاقتصادي وتدني مستوى المعيشة
الطبيعي ونتيجة للعوامل السابق ذكرها أدى الأمر إلى حالة من التدهور الاقتصادي الكبير نتيجة الفساد وانعدام الشفافية وضعف كفاءة الدولة، حيث تذكر أرقام أممية ارتفاع أعداد النازحين داخلياً 10 أضعاف منذ عام 2013، فقد بلغ عدد النازحين في بوركينا فاسو وحدها العام الماضي أكثر من مليون ونصف المليون.
بالمقارنة مع الترف الذي يعيشه أبناء الطبقة الحاكمة فمن الطبيعي أن تشيع حالة من التذمر الاجتماعي من المواطنين الذين يدفعون فواتير هذا الفشل والضعف في إدارة الدولة، وبالتالي سبب هذا تدهوراً مستمراً في القاعدة الشعبية المؤيدة للحكم الديمقراطي، والتطلع إلى الانقلاب كمخرج من المأزق الذي تمر به بلادهم.
- التجاور الجغرافي
كل الانقلابات التي تم ذكرها حدثت في دول متجاورة تمتد من منتصف القارة إلى غربها، الأمر الذي جعل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يصف هذه الموجة بأنها “وباء الانقلابات"، وهنا تظهر نظرية العدوى نعم سيدي القارئ العدوى، هناك ظواهر قد تعدي دولا مثلها مثل الأمراض فهل نسينا بالأمس القريب كان الربيع العربي الذي بدأ في تونس وانتشر في ربوع الوطن العربي، نفس الشيء حدث في غرب إفريقيا، حيث إن حدوث انقلابات عسكرية في دولة ما يؤثر بشكل أو بآخر على احتمال وقوع انقلابات عسكرية في أماكن أخرى.
- التدخلات الخارجية
تمتع منطقة غرب إفريقيا والساحل بوفرة في الموارد البشرية والطبيعية الأمر الذي يوفر إمكانات هائلة للنمو السريع، جعلتها هذه الموارد مطمعا ومنبعا للتنافس الدولي بين القوى الدولية المختلفة، وعلى الرغم من الوجود الفرنسي التقليدي في المنطقة التي تعد من مستعمرات باريس السابقة، إلا أن قوى دولية أخرى بدأت بتهديد نفوذ باريس وتقليصه، وأهمها: روسيا والصين، ونتيجة لتحول دول غرب إفريقيا إلى بقعة للتنافس، يحدث تضارب مصالح في هذه الدول، وتعميق لحالة عدم الاستقرار في دول غرب إفريقيا.
خير دليل على هذه التدخلات، هو إسهام روسيا في حملات التضليل عبر وسائل التواصل الاجتماعي بغرض زيادة الغضب الشعبي من الرئيس المالي أبوبكر إبراهيم كيتا، حليف باريس، في العام الذي سبق الانقلاب عليه، ما أدى إلى احتجاجات شعبية استخدمت ذريعة للانقلاب عليه من قبل المجلس العسكري الذي سبق للعديد من أعضائه أن درسوا في روسيا.
إجمالاً، يتضح مما سبق أن الوباء لن يتوقف عند هذا الحد فقد يعدي دولاً أخرى في الجوار الإقليمي، مدفوعاً بالحالة الاقتصادية المزرية والسخط الشعبي على الحكومات، بالإضافة إلى انتشار وتغلغل الجماعات الإرهابية والمسلحة على نطاق واسع في هذه المنطقة، عطفاً على التنافس الدولي المستعر وخصوصاً الوجود الروسي في المنطقة بشكل مباشر أو من خلال شركة فاجنر الروسية، حيث يثير هذا التواجد قلق المعسكر الغربي أولهم فرنسا المستعمر السابق لتلك الدول، الأمر الذي قد يجعلهم يدعمون انقلابات أخرى على السلطات العسكرية التي انقلبت في البدء بدافع إبعاد أولئك العسكريين المؤيدين للوجود الروسي والصيني في المنطقة.